” وركستان ونظرية الخرم والبصلة والكشرى…”
مواقع ساخرة.. طعم الضحك المر
مواقع ساخرة.. طعم الضحك المر
كتب – أمير زكي
“الرغبة فى تحرير الغضب الذي يتصف به شباب جيلنا”. كان هذا هو مبرر أحمد يسري وهشام منصور ومعهما نادية منتصر لتأسيس موقع (وركستان) الذي يهتم بالمحتوى الساخر. يقول هشام منصور: “جيلنا يتصف بأنه يغضب سريعا، فقرر أحمد يسرى أن ينشئ مدونة يكتب فيها عن المواقف التي تغضبه”.
المدونة تحولت فيما بعد لموقع اجتماعي يتبادل فيه أعضاؤه مقالاتهم الساخرة التى لا بد أن تنتهى بكلمة (وراكك). يقول هشام منتصر: “وراكك نقولها عادة عندما نرد على استفزاز أحدهم”.
محتوى الموقع يتنوع بين السخرية من مواقف معينة في المجتمع أو من الأخبار السياسية التى راج التعليق عليها مؤخرا خاصة بعد الثورة، يقول هشام: “أنا شخصيا الذي كنت مهتما بالسخرية أصبحت أكتب في السياسة، بصفة عامة فالحس الساخر تراجع لصالح الاهتمام السياسي”. وركستان بدأ أصحابه يزودونه باللغة الإنجليزية قبل أن يكتشفوا أن اللغة العربية تكسب أرضية أوسع بمراحل من الجمهور.
مواقع ساخرة عديدة ظهرت في مصر فى السنوات القليلة الأخيرة، تحاول أن تسد احتياجات الحس الكوميدي عند المصريين، محاكية بعض المواقع الأجنبية ولكن بأسلوب ومصطلحات مصرية، ومتجاوزة أبواب النكات التى تضيفها بعض المواقع، أو الأقسام الساخرة فى المنتديات.
محاكيا موقع fmylife الذى أسسه فرنسيون ليكتب مرتادوه بشكل ساخر عن المواقف السيئة التي يتعرضون لها، أنشأ عمر سالم طالب الثانوى موقع (أحا) الذي يكتب فيه مرتادوه مواقفهم بنفس الطريقة، بحيث يقيمها الآخرون بـ a7a(أحا) إن أعجبهم الموقف، أو a7san (أحسن) إن لم يعجبهم.
عمر لا يرى أن الكلمة التي يعنون بها موقعه (قبيحة)، يشير إلى صفحة بالموقع معنونة بـ (يعنى إيه أحا؟)، الذي يحاول فيها أن يستقصى عن معنى الكلمة في الشارع وفي المعاجم العربية، ومن النوادر التي يذكرها أنه قيل إن الفاطميين منعوا كلمة أحتج فقال المصريون (أحا)، ثم حاول تحديد سبب الاعتقاد بكونها (قبيحة)، حيث يتصور أن السبب أن الفقراء ظلوا وقتا طويلا يقولونها، ومنع الأغنياء أولادهم من قولها. لا يرى عمر أن هناك كلمة أخرى تصلح لأن تكون عنوانا للموقع، ولا يجد أيضا أن الكلمة مقيدة له للترويج لموقعه فعلى حد قوله: فـ”الموقع معروف بشكل كبير بين المصريين”.
يضع عمر على موقعه فيديو ليشرح كيفية استخدام الموقع، أي كيفية وضع المواقف وتقييمها بـ a7a وa7san، ولا يبخل عمر من استخدام لهجة متهكمة ممن لا يستطيعون استخدام الموقع بشكل سليم.
عمر الذي افتتح موقعه في سبتمبر 2010 يوضح الفارق بين مرتادي الموقع قبل الثورة المصرية وبعدها، يقول: “قبل الثورة كان كل من يدخل الموقع مستثار من كلمة (أحا)، أما الآن فالكل يريد أن يقولها تجاه أي شيء”. ويضيف أن عديدة هي المواقف التي تحدث للناس عن الثورة واللجان الشعبية ويذكرونها الآن على الموقع.
حدود أخلاقية
رغم العنوانين الصادمين بعض الشيء لموقعى (وركستان) و(أحا) ورغم لهجتهما المفرطة في سخريتها، إلا أن المشرفين على الموقعين يراعون حدودا أخلاقية معينة لا يستطيع مستخدمو الموقع تجاوزها.
فيكتب المشرفون في صفحة قوانين موقع (وركستان) أنهم لن يقبلون اللغة غير اللائقة أو الهجوم على شخص أو كيان ما. يقول هشام منصور: “لا نقبل الهجوم على الشخصيات أو على الأديان، والثقل كله يكون في مدى السخرية ومن يضحك الناس أكثر”.
عمر سالم بدوره يقول: “الحدود الأخلاقية في الموقع هي الحدود الموجودة في أي مكان محترم”. تلك الحدود التي يشرف عليها بنفسه هو وزملاءه في الموقع. حيث لا تسمح بإهانات سواء في المواقف التي يكتبها مرتادو الموقع أو في التعليقات على هذه المواقف. في الفيديو الذي يشرح فيه عمر كيفية استخدام الموقع، يسخر ممن يعتبرون صفحة التعليقات صفحة لتبادل الشتائم قائلا: “لو فيه شتيمة أو إيحاء بشتيمة.. هعمل بان ban“.( أي حظر لصاحب التعليق بحيث لا تظهر تعليقاته).
مستوى آخر من الحدود الأخلاقية، أو اللا حدود الأخلاقية يتصف به موقع إسلام الرفاعي (نظرية الخرم)، إسلام المعروف بين أصدقائه على شبكة الإنترنت بالخرم، لا يضع أي حدود أخلاقية للمحتوى الذي يقدمه سواء في موقعه أو من خلال التويتر والفيسبوك المشهور فيهما بلهجته (القبيحة) الحادة. يقول إسلام: “علاقاتي الشخصية مع الناس واقعيا تكون مهذبة، ولكن أسلوبي فى عرض أفكاري هو الذي يحمل هذا الحس، وإن شتمني أحدهم أشتمه بشكل أقصى وأكثر إبداعا”.
إسلام يرى أنه يعبر عن أفكاره ولكن بطريقة مختلفة. وتصوره عن موقعه في البداية هو أن يضيف فيه بشكل مستمر آراءه في نظرية الخرم. وكما يشرح في تدوينته الأولى بالموقع فهناك الخرم الحضاري والخرم الثقافي والخرم السياسي، ثم يضيف في تدوينة أخرى فكرة (جمهورية خرمستان) التي أسسها شاب مصري حاول الهجرة إلى إيطاليا فغرقت مركبه في البحر المتوسط ولكنه وجد جزيرة ليؤسس فيها الجمهورية، ولم ينس إسلام أن يحدد الصفات التقليدية لجمهوريته، فعملتها هي الربع الجنيه المخروم. وسلامها الوطني مطلعه كالتالي: “أنا قلبي وكل ما فيا، حتى عيوني ورجليا، ملك لخرمستان”.
يقول إسلام الرفاعي إن كلمة خرم شائعة في بلده رشيد، تلك الكلمة التى أسس عليها موقعه ووجوده على الإنترنت. وبالإضافة لشرح فكرة (جمهورية خرمستان) يمكنك أن تجد في الموقع شعر إسلام الإباحي إلى جانب تحليله لمكالمة هبة الجنسية Heba sex call، تلك المكالمة التي انتشرت من خلال موقع اليوتيوب حاملة صوت رجل يحمل رغبة جنسية شديدة تجاه هبة التي ترد عليه من الطرف الآخر.
ولكن بدافع الضجر كما يقول إسلام أو الانشغال لا يركز الخرم على موقعه بقدر ما يضع معظم جهده على حسابه على تويتر الذي يتبعه فيه 12 ألف follower.
ماذا نحرق
يؤكد هشام منصور إن موقع (وركستان) أصبح الآن محط اهتمام منتجي التلفزيون، من حيث الاهتمام بالمحتوى الساخر المقدم وبالتالي إعادة استخدامه في برامجهم. هشام نفسه الذي يكتب كتابة ساخرة من قبل ظهور الموقع ويعمل إلى جانب ذلك بالاستاند آب كوميدى standup comedy (أي الكوميديا التي يؤديها كوميديان وحده وهو واقف على خشبة المسرح)، استفاد بشكل كبير في حياته العملية من مقالاته التي ينشرها في موقع وركستان، وكانت أشهر مقالاته، والتي تأخذ الترتيب الثاني في قائمة أشهر مقالات الموقع على الإطلاق هي مقالة بعنوان (ثورة الشعب المصري) كتبها بعد الثورة التونسية وقبل الثورة المصرية. حيث يفكر شابان عما يمكن أن يحرقانه في مصر لتقوم الثورة، على وزن إحراق البو عزيزي نفسه لتشتعل ثورة تونس، ليجدا أن البلد قد حرقت من قبل بالفعل، محيلا إلى دار الأوبرا القديمة ومجلس الشورى وقصر ثقافة بني سويف وبعض الكنائس والقطارات في مصر. إسلام الرفاعى أيضا عرض عليه أن يشارك في مسلسلات كوميدية (sit com) بالكتابة.
هشام منصور يرى أن موقعه لا ينافس المواقع الساخرة الأخرى فحسب، وإنما ينافس المواقع السياسية نفسها، يقول: “الناس تمل من تلقي الأخبار بالطريقة العادية، فتأتي لتقرأها بطريقتنا الساخرة”. طموح صانعي المواقع الثلاثة يتفاوت، حيث يسعى إسلام لتزويد مدونته بشكل أسبوعي على الأقل، مؤمنا بتعبيره عن نفسه بهذا الشكل المختلف، في حين لا يستبعد عمر سالم وهشام منصور فكرة تلقي الإعلانات للإنفاق على موقعيهما. ولكن هشام منصور يؤكد أيضا على المحتوى الذي يسعى لتقيمه، يقول: “نحن نريد أن نتجاوز جيل إلهام شاهين ونادية الجندي على كل المستويات”.
***
من هنا وهناك
لم تمر أسابيع على زفاف الأمير ويليام ابن ولى عهد بريطانيا بكيت ميدلتون، حتى نقلت بعض المواقع والمنتديات العربية خبر طلاقه منها، الخبر الذي تم نقله بجدية لم يكن سوى خبر ساخر من موقع البصلة the onionوهو الموقع الأمريكي الساخر الذي توازيه جريدة ورقية. ورغم شكل الموقع الذي يحاكي مواقع الأخبار الجادة إلا أنه لا يحتوى على أي خبر جاد، وإنما فقط يقدم الأخبار الرائجة بشكل ساخر. خبر طلاق الأمير ويليام وكيت ميدلتون تضمن قول الأمير إنه كان خطأ كبير وأنه لم يكن يفكر في الزواج أصلا. قبل ذلك حدث انتشار مشابه لشائعة روجت أن الفيسبوك سيغلق في الخامس عشر من مارس 2012، لأن مارك زوكبربرج منشئ الموقع يجد أن الفيسبوك خرج عن نطاق السيطرة وأنه أصبح مصدر توتر له، هذه الشائعة راجت لدرجة أن موقع الفيسبوك نفسه اهتم بأن ينفيها. مصدر الشائعة كان موقع ساخر شهير آخر وهو موقع أمريكي أيضا weekly world news يصف نفسه بأنه المصدر الوحيد للأخبار الموثوقة، ولكن بنظرة قريبة من الموقع لن تجده كذلك.
تجربة مصرية حاولت محاكاة مثل هذه التجارب، وهو موقع الكشرى توداي koshary today الذي يحاول محاكاة الأخبار اليومية بشكل ساخر. وإن كانت لغة الموقع الإنجليزية تؤثر قليلا على شعبيته.
على مستوى المثقفين وقارئي الكتب انتشرت فجأة تدوينات يضعها مدون يسمي نفسه القارئ الشعبي تسخر من كلاسيكيات الكتب في العالم، بوضع أغلفتها مع عناوين بديلة ساخرة، تعبر بشكل كوميدي عن مضمون الكتاب، فتتحول رواية (المقامر) لدوستويفكسى إلى (إلعب إلعب إلعب)، و(فرانكنشتاين) لماري شيلي لـ (شيلوا الميتين من تحت)، القارئ الشعبي ليس منفصلا، رغم ثقافته الواسعة البادية من اختياراته، عن الشئون العامة، فتبدو سخريته أحيانا مستقاة من أحداث الثورة اليومية، فالرواية الشهيرة (دكتور جيكل ومستر هايد) تتحول عنده إلى (أنا قتلت واتقتلت) محيلا إلى مصطلح رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق عندما قالها خطأ في برنامج حواري، ورواية (الجريمة والعقاب) لدوستويفكسي التي يضطرب بطلها بسبب التحقيقات تتحول إلى (أمال لو كانوا هيحولوك على نيابة عسكرية كنت عملت ايه؟).
القارئ الشعبي يحافظ على سريته إلى حد كبير، ففي حين تمتد سخريته إلى موقع التويتر إلا أن أحدا لا يعرفه حتى الآن، وأثناء بحثنا لم نصل إلا لكونه يملك مدونة أخرى بعنوان (الطعم المر للأغاني).
النجاح الكبير الذي حققه القارئ الشعبي جعل التجربة مطمع للتكرار مع الأفلام السينمائية، حيث ظهرت أكثر من مدونة تحاكي القارئ الشعبي ولكن في مجال السينما.