حكايات وراء كل باب في مصر
قصص صحفية واقعية من حياة المصريين
حكايات المد السلفي والمد القبطي
حكت لنا شهرزاد عن مساجد بمصر يطلق عليها أنها “جوامع السُنيّة”، وكانت كلمة “سُنّي” قد ارتبطت بكل متدين يطلق لحيته، هذا الوصف تراجع الآن قليلا مع بروز مكانة السلفيين بعد الثورة، فأصبحت كلمة “سلفي” أكثر شيوعا لوصف ذوي اللحى والجلابيب البيضاء القصيرة.
ظهور شيوخ السلفيين بكثافة جاء على حساب تأثير شيوخ الأزهر، ففي موضوع “هل أصبح الأزهريون أقلية في الأزهر” الذي طرحناه في أكتوبر 2009 يشرح أنس السلطان أحد خريجي كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سبب ذلك قائلا: “هناك النظرة للأزهري باعتباره قريب من السلطة وهو ما يجعل الناس يعتبرون السلفيين أكثر صدقا وإخلاصا وقربا من الله”.
وعلى الرغم من تعدد الأطياف الإسلامية في المجتمع المصري، فإن بعض العلمانيين لا يرون أن هناك اختلافا مثلا بين الإخوان والسلفيين، هكذا قال لنا باهر محمود الذي ينشر مقالاته بموقع الحوار المتمدن، وهو لا يجد في التيارات الإسلامية أكثر من ظاهرة صوتية.
نمو مكانة الجماعات الإسلامية السلفية لم يكن مقلقا فقط لغير المسلمين، بل للمسلمين أيضا، خصوصا وإن كانوا يتجهون في إيمانهم الاتجاه الصوفي. مقامات الأولياء المنتشرة في محافظات مصر محط اهتمام العديد من المصريين، حيث يتبركون بها ويبثون للأولياء شكاواهم أو يتشفعون بهم أمام الله. ولأن هذه الطريقة في الوصول إلى الله غير مناسبة للفكر السلفي فقد ظهرت دعاوي تطالب بهدم الأضرحة، ورغم نفي كبار شيوخ السلفيين لهذه الدعاوي، إلا أنه حدث هدم بالفعل لأضرحة بالقليوبية والمنوفية. لكن متصوفي القاهرة لم يبدوا متخوفين حقا من هذه التهديدات، وقال أحدهم وهو يزور السيدة نفيسة: “لا خوف على الأولياء، فهم من يحموننا”، بالإضافة إلى الثقة في السماء، فمن جهة أخرى يتعيش العديد من أهالي المنطقة على مهن تتعلق بالمساجد التي تضم مقامات الأولياء، وبالتالي فلن يسمح هؤلاء بأن يتم قطع أرزاقهم.
الحراك السياسي الذي ظهر بعد الثورة والذي أعطى صوتا عاليا للسلفيين، كان له دورا كبيرا في ظهور أقباط يدافعون عن حقوقهم من منطلقات قبطية، هذا الأمر الذي جعل مصطلح مثل “ناشط قبطي” يظهر ليكون متوازيا مع مصطلح “ناشط سياسي” في العموم. وهكذا رأينا شبابا من الأقباط وهم يتظاهرون ويطالبون بحقوقهم بل إن بعض التأويلات ترى أن المظاهرات التي تلت حادث كنيسة القديسين بالأسكندرية في بداية هذا العام كانت هي إحدى الإرهاصات الهامة لثورة 25 يناير. تظاهرات الأقباط ربما تكون مفاجئة حتى لشهريار نفسه. ولكن المسألة القبطية نظل من أخطر القضايا التي تواجه مصر حاليا، خاصة بعد يوم 9 أكتوبر الذي قتل فيه أكثر من عشرين مصريا في مظاهرة للأقباط كرد فعل على هدم كنيسة قرية المريناب في أسوان. ولكن المطالبة بالحقوق من داخل مصر يكون – رغم كل شيء – أمر أفضل من هجرة الأقباط إلى خارج مصر من منطلق المخاوف، إذ أشار موضوع بعنوان “الأقباط الهجرة قسرية أحيانا” إلى تقرير منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان عن هجرة حوالي 100 ألف قبطي منذ 19 مارس الماضي، على الرغم من تشكيك البعض في هذه الأرقام.
***
حكاية أديان الرحمة التي أضحت سببا للخلاف
لدى شهرزاد قصة أخرى تستطيع أن تحكيها الآن لشهريار عن ميدان التحرير، الذي بدا من 25 يناير وحتى 11 فبراير، منفصلا عن سياق الزمان والمكان. إذ تجاوز كل المصريين المعتصمين هناك خلافاتهم الناتجة عن أسباب دينية من أجل قضية واحدة وهي إسقاط النظام.
تجاور المسيحي مع المسلم، وصلى كل بدوره ليحمي ظهره الآخر، وتجاورت أيضا الاتجاهات الإسلامية المختلفة، وتجاوروا جميعا مع هؤلاء الذين لا يؤمنون بشيء، الجميع اعتصم في مكان واحد، اقتربوا من بعضهم البعض، حافظوا على الميدان من هجوم البلطجية والجمال هؤلاء الذين جاءوا من عهد شهرزاد نفسها، من عهد الأسطورة.
لدى شهرزاد الآن قصة لتحكيها هذه المدينة الفاضلة التي امتدت لـ18 يوما أعطت انطباعا بأن المشكلات الدينية والطائفية السابقة لم يكن سببها سوى النظام الفاسد، حتى أنه تم تصديق الأقاويل التي ترى أن حادث كنيسة القديسين الذي تم في بداية العام موديا بحياة أكثر من عشرين مصريا تم بتخطيط من حبيب العادلي وزير الداخلية السابق. ولكن الـ18 يوم انتهت ليتواصل ما بعد الثورة مع ما قبلها، ليأتي الوقت الذي نتسائل فيه هل الثورة التي تحدثنا عنها شهرزاد قد حدثت فعلا؟
يظل الدين من المشتركات الأساسية في حياة الإنسان المصري، عند كل شخص قصة معه ورأي فيه، قصة الدين مع البلاد تعود لآلاف السنين. ولكن هذا المكون الأساسي في الشخصية المصرية كان مصدر تجليات عدة وربما مشكلات ظهرت في الألف ليلة الأخيرة. مصر بلد المآذن الكثيرة والكنائس القديمة والمعابد اليهودية المتبقية، تلك التي تستطيع أن تراها وأنت تطير على بساط الريح، ترى ما الذي ستراه إذا نزلت ودققت قليلا؟
رغم التعايش الطويل بين المباني الدينية المختلفة في مصر فإنه من الصعب تجاهل وجود مشكلة طائفية، قد تبدأ بملمح بسيط كضرورة أن تكون مآذن المساجد أعلى من أبراج الكنائس، ولا تنتهي بصعوبة بناء الكنائس، بل والاعتداء عليها أحيانا.
ورغم الانحسار الشديد لتجليات الديانة اليهودية في مصر ربما منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن بعض المعالم اليهودية لا تزال صامدة بمصر، وقد تكون سببا للقلاقل والمشكلات. ففي موضوع بعنوان “في محيط المعبد اليهودي، مربع عدلي على صفيح ساخن” تحدثنا عن 16 معبدا يهوديا موجودين بأنحاء مصر، أشهرهم المعبد الموجود بشارع عدلي بوسط القاهرة، محيط المعبد يحاصر بحراسة أمنية شديدة، المخاوف قد يكون سببها إمكانية أن يعتدي أحدهم على المعبد كما حدث في بداية العام الماضي بإلقاء قنبلة عليه.
قد تحكي لنا شهرزاد عندما تدقق النظر إلى مصر عن الالتزام الديني الذي أصبح أمرا أساسيا في الشخصية المصرية في العقود الأخيرة، بغض النظر عن الديانة والاتجاه الديني، ولكن مع ذلك يحاول المصريون تطبيع ذلك الالتزام بطبعهم، محاولين أيضا الموازنة بين الدين والدنيا، فمع شيوع الحجاب تنشأ موضات ليكون الحجاب أنيقا، وإذا كانت الأفراح العادية غير مناسبة للمسلم الملتزم فتظهر بالتالي الأفراح الإسلامية حيث يفصل بين الرجال والنساء ولا تشغل سوى أغاني مناسبة للملتزمين كما أوضحنا في ريبورتاج بعنوان “تعالى نفرح لكن بالتزام”. وتظهر تجليات مثل وجود نشاط صيفي متبوع بالمسجد لسد احتياجات الأطفال والمراهقين، هذه الفكرة المنتشرة لدى فئات المسيحيين في الكنائس.
ولكن في مقابل هذا الالتزام فالانفتاح على العالم يؤدي ببعض الشباب لسد احتياجاتهم الروحية بطرق أخرى وغير تقليدية. مؤلفات الكاتب البرازيلي باولو كويليو كانت ملهمة لمحمد النقيب إذ ذكر في مضوع بعنوان “فرسان النور يحتاجون إلى دليل حديث” أنه خصص لها مدونة إلكترونية عربية وأن روحانيات كويليو أثرت على حياته. وفي السياق ذاته وصف الشاب أحمد منتصر نفسه بأنه “ملحد مسلم”، وشرح من خلال بورتريه نشر في نفس العدد أنه مؤمن بالمصلحة وأن المصلحة هي ما تجعله يوازن بين أفكاره المختلفة وبين كونه مسلما على الورق.
الخوف من هذه الأفكار المختلفة هو ما جعل الدعوة للإسلام تصبح ضمن الظواهر المنتشرة في مصر، حيث تقوم بذلك جماعات كجماعة التبليغ والدعوة العالمية، أو مراكز ترى أن هدفها مكافحة التنصير كمركز “التنوير الإسلامي” أو مركز “نداء للحوار بين الأديان” ، بعضها أماكن تحاول أسلمة غير المسلمين المصريين وإن كانت الأخيرة تأخذ مناحي مثيرة للجدل، فتحدث مشكلات بين المسلمين والأقباط لم تنته بالمشكلة الأبرز وهي كاميليا شحاتة القبطية التي قيل إنها تحولت للإسلام، وهذا الذي تصر عليه جماعة ظهرت بعد الثورة وهي جماعة “ائتلاف دعم المسلمين الجدد”، ورغم أن كاميليا شحاتة نفسها ظهرت بإحدى القنوات الفضائية المسيحية لتنفى تحولها ذلك.
منذ شهور قليلة تحاورنا مع حسام أبو البخاري المتحدث الإعلامي باسم “ائتلاف دعم المسلمين الجدد”، الذي يختص بمساعدة المسلمين المتحولين من المسيحية، وقال: “المسيحيون هم الذين يجعلون قضايا المسلمات الجديدات تشتهر، لأنها بالنسبة لهم تكون قضية عرض. فهم يخرجون في مظاهرات قائلين إنهن اختطفن فبالتالي نعرف نحن عنهن”. وكان هذا رده على الاهتمام بالإناث المتحولات على حساب الرجال، وهو ما يلفت النظر غالبا في هذه التجارب.
تفاوتت الرؤى حول أساس التمييز الديني وبالتالي المشكلة الطائفية، فبينما وجد حسام بهجت المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن المشكلة قد تكون في قوانين الدولة نفسها، رأت داليا زيادة – مديرة مكتب منظمة “المؤتمر الإسلامي الأمريكي” – أن عدم التسامح يأتي من الطبقات الشعبية لينتشر بعد ذلك في كل طبقات، ولكن في المقابل رألا الأب الراهب وليام سيدهم أحد مسئولى جمعية الجيزويت أن الطبقات الشعبية هي الأكثر بساطة وتقبلا للآخر، ولكن المتعصبون فقط صوتهم أعلى.
الصورة ليست دوما بائسة، فمصر تستطيع أن تنتج محاولات لنبذ الفتنة والتقارب بين الأديان، كمبادرات “عيش وملح”، و”جلفي”، ومبادرة “مصالحة ومصارحة”، وتجمع “مصريون ضد التمييز الديني”، أو أن يقوم قبطي كشمعي أسعد بتأليف كتاب “حارة النصارى” ليحاول تذويب الفوارق المعرفية بين المسلمين والأقباط. كل هذه المبادرات التي جاء ذكرها في موضوع “اختلفت المبادرات والهدف واحد” قام بها الشباب، والكثير منهم أصبح واعيا بشكل أكبر بكيفية التعامل مع الشأن الطائفي.
التعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر لا يزال قائما رغم القلاقل، وإن كان لا يصل في مداه إلى الذروة التي نتلمسها في قصة شهرزاد عن المدينة الفاضلة بميدان التحرير، مع ذلك فلا تعدم أن تجد محلا يملكه مسلمون يبيع ملابس التناصير “ملابس المعمودية” للمسيحيين، أو ترى فتاة مسيحية تعمل في محل متخصص في مستلزمات المحجبات. بل الأمور تأخذ أبعادا أكثر تطورا عندما نستمع لأفراد من أسر تضم مسيحيين ومسلمين، فنعلم أن هناك مصاهرات تمت بدون غضب أو قتل.
***
حكاية البلورة المسحورة التي صنعت ثورة
يندهش شهريار عندما تحكي له شهرزاد عن “البلورة” المسحورة التي غيرت حياة الجيل الحالي، شبكة الإنترنت كانت هي العامل الأبرز في الاختلاف بين الجيل الحالي من الشباب والأجيال السابقة، فمبكرا تعرف الشباب من خلال الإنترنت على كل ما يحدث في العالم على كل المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وعن طريقه أيضا استطاعوا أن يتواصلوا مع بعضهم البعض. بلورة الشباب المسحورة لم تكن تؤخذ بجدية في البداية، فالانطباعات عنها لم تكن تخرج عن كون الشباب يقضون عليها الوقت ربما بدلا من المقاهي، ولكنها أصبحت في سنوات قليلة ذات تأثير طاغ على كل الأصعدة ومنها الصعيد السياسي.
قد يكون من ضمن عوالم شبكة الإنترنت المتنوعة والمتشعبة، أناس متخصصون في الجدل الديني، كما أشرنا سنة 2010 من خلال “مظاهرات في الخفاء على الإنترنت”، وتظل غرف برنامج “البالتوك” هي الأشهر في طرح هذه الجدل. ولكن الأمور تطورت سريعا. فالنقاش والجدل الديني انتقل مثله مثل كل شيء إلى الفيسبوك، موقع التواصل الاجتماعي الأبرز الذي أصبح محط اهتمام مستخدمي شبكة الإنترنت.
الإنترنت أيضا أتاح للشباب فرصهم للتعبير عن ذواتهم بداية من التدوين الذي كان محلا لظهور العديد من الأعمال الأدبية بالتوازي مع المحتوى السياسي، وليس نهاية بظهور إذاعات على الإنترنت تحاول أن تحظى بشعبية لمستخدمي الشبكة، وبينما كانت تظهر من سنوات على استحياء إذاعات مثل “راديو تيت” و”بنات وبس” وإن كان نفس هذه الإذاعات قصير في مقابل إذاعة مثل “راديو حريتنا”، ظهرت في الشهور الأخيرة ظهرت إذاعات مثل “جرامافون” و”التحرير” و”راديو صلاح جاهين”، لتقدم موسيقى وبرامج مختلفة وتكسب جماهيرية بشكل تدريجي.
الحرية التي تتيحها شبكة الإنترنت تجعل مساحات التعبير عن الرأي أوسع بكثير مما يتيحها المجتمع على أرض الواقع، هذا هو الذي يعطي للسخرية مذاقا مختلفا على الشبكة، بحيث تظهر مواقع مثل “وركستان” و، و”نظرية الخرم”، لتسخر من المجتمع بشكل أكثر حدة.
شبكة الإنترنت كان لها دور كبير وأساسي في تأجيج شعلة ثورة 25 يناير، فقد كانت صفحة “كلنا خالد سعيد” على الفيسبوك، هي صاحبة الحدث أو “الإيفنت” بلغة الفيسبوك، إذ دعا القائمون على الصفحة إلى تجمع الناس يوم عيد الشرطة للمطالبة بحقوق المصريين… الصفحة التي تأسست لكشف حقيقة مقتل خالد سعيد الذي تعرض للضرب على أيدي مخبري شرطة، ليست أول تجل على شبكة الإنترنت للكشف عن التعذيب الذي كان يمارسه الأمن المصري طوال سنوات. فمن خلال موضوع “الإنترنت، رقيب جديد على السلطة” تحدثنا عن المدون وائل عباس كان يحمل على عاتقه عن طريق مدونته “الوعي المصري” نشر العديد من الفيديوهات التي تثبت تعذيب الشرطة لمواطنين مصريين، وكان من أشهر هذه الفيديوهات فيديو عماد الكبير الذي تعرض للاعتداء بقسم بولاق الدكرور. شبكة الإنترنت بالتالي أصبحت بديلا لتقديم شكواك للصحافة وتفجير القضايا، أنت لا تحتاج سوى لمدونة أو لحساب على الفيسبوك أو اليوتيوب لتطالب منه بحقك، أو حتى لتقديم ما تملكه من دلائل لمدون شهير. وبالإضافة إلى وائل عباس كان هناك مدونون آخرون اهتموا بنشر فيديوهات التعذيب كالمدون محمد خالد، أو صاحبة مدونة “التعذيب في مصر”.
تقول شهرزاد لملكها السعيد حين تتحدث عن ثورة يناير، أن الثورة أثبتت أن الجالسين خلف شاشات الكمبيوتر أو “بلوراتهم المسحورة” ليسوا من عالم آخر، بل إنهم يستطيعون أن يحشدوا بعضهم البعض والنزول إلى الشارع في أي وقت، هذا يتضح مبدئيا من “مليونيات” أيام الجمعة التي تكررت الدعوة إليها من خلال الفيسبوك. الناظر بعمق إلى طبيعة تجمعات الإنترنت كان بإمكانه تلمس إمكانية النزول إلى الشارع تلك التي وصلت إلى ذروتها أيام الثورة.
المدونون أيضا الذين أحدثوا رجة سياسية من عام 2005 كانوا يجتمعون على أرض الواقع وأصبحوا أصدقاء شخصيين من ساعتها. وبعد الثورة لم تتوقف اللقاءات التي خرجت من رحم الإنترنت. ففي موضوع “عندما تلتقي طيور الإنترنت” روينا كيف دعا المدون البارز علاء عبد الفتاح إلى ما سمي بـ “تويت ندوة”، ليجتمع مستخدمو تويتر من آن لآخر، وينقلوا حواراتهم السياسية التي يتبادلونها في العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي. تحكي شهرزاد عن الوسائط الثلاثة الافتراضية التي يتحرك بداخلها الناشط السياسي الآن ليعبر بها عن رأيه، ففي تحقيق حول “الحياة بين البلوج والفيسبوك وتويتر” أوضحنا كيف يتم نقل الحدث بشكل مباشر من خلال التدوينات القصيرة على التويتر، فالناشط يشارك في الحشد وصناعة الأحداث أو التجمعات Events عن طريق الفيسبوك، قبل أن يقدم رأيه أو ووجهة نظره بشكل أكثر تفصيلا على مدونته، هذا هو الإطار العام الذي يتحرك بداخله الناشط السياسي وسط شبكة الإنترنت في الألف ليلة الأخيرة.
هذه الوسائط تصنع ما يمكن أن نسميه بـ”الصحافة الشعبية”، تلك التي توازي ما يقدمه الإعلام الرسمي أو الإعلام الذي تقدمه مؤسسات أخرى، وربما تكون الصحافة الشعبية، في أحيان كثيرة، هي الأكثر مصداقية.
العالم الافتراضي الذي تخلقه الشبكة من الممكن أن يولد ما يمكن أن يسمى بالمساويء أو الآثار الجانبية، كما بينّا من خلال سلسلة من الموضوعات في عام 2009، فقد يقع المستخدمون ضحية لقراصنة الإنترنت “hackers“، وهم غالبا من المراهقين الذين يحاولون إثبات أنفسهم عن طريق اختراق خصوصية الآخرين، ولكن هذا لا يمنع من وصول الاختراق إلى مستويات إجرامية تستهدف السرقة أو الابتزاز أو غير ذلك. أو قد يؤدي الولع بالألعاب الإلكترونية إلى إدمانها، مثلا ذكر بعض المغرمين بالألعاب الإلكترونية كيف كانت لعبة مثل سلك رود silkroadهوسا للعديد من الشباب. أو كيف يستخدم موقع الفيسبوك كمساحة للانتقام والفضح. الفيسبوك أيضا وغيره من المواقع الاجتماعية ساعدا على استباحة الخصوصية بين الناس.
الفيسبوك الآن هو بمثابة تسجيل لحياة الشخص ربما منذ ميلاده، وهذا قد يكون سببا لمشكلات، عن ذلك قال سامي عبد الرحمن مهندس الاتصالات في موضوع بعنوان “رسائل تائهة وسجلات على الحيطان”: “صحيح الفيس بوك يمكن أن يحرجك بتاريخك ولكنه يتيح لك أيضا أن تبدأ تاريخا جديدا تماما”. محيلا إلى إمكانية إلغاء حسابك على الموقع وصنع حساب جديد تستطيع أن تحذف منه كل صورك ومعلوماتك السابقة. كل هذه الأفكار قد تجعل شهريار السلطان يطلب من شهرزاد بلورة مشابهة ليعرف كل شىء عن شعبه بدون الحاجة للتخفي في ملابس تجار لمعرفة أخبار الرعية ودون الحاجة لرجال “أمن الدولة” والبصاصين.