كتب – أمير زكي
يجلسون على أحد مقاهي العجوزة بعد الإفطار، ليستمروا في روتينهم اليومي خلال شهر رمضان، يقول محمد هشام الطالب بكلية الهندسة: “أفعل نفس الأشياء التي أفعلها كل عام ولكن بشكل مختلف”. الشكل المختلف الذي يتحدث عنه هشام يتعلق بالشأنين الخاص والعام، فهو من جهة قد انتهى لتوه من دراسة السنة الأخيرة بالكلية وبدأ يعمل في مجال مختلف عن مجال دراسته وإن كان أقرب لشغفه فهو مدرس للموسيقى، ولكنه من جهة أخرى يرى أنه مثله مثل عدد من المصريين بدأت اهتماماته تتسع في السنتين الأخيرتين، فبالإضافة إلى المقهى يتجه أحيانا إلى شوارع القاهرة القديمة لمعايشة الجو الرمضاني أو حضور الحفلات الموسيقية التي تقام في هذه الأماكن. يضيف: “اهتمام الناس بالسياسة بعد الثورة جعل الناس تبدأ بالاهتمام بأشياء لم يكونوا يهتمون بها”.
أما صديقه محمود عبد اللطيف المهندس بشركة توشيبا العربي فيكسر عادة الجلوس أمام التلفزيون ومشاهدة المسلسلات تلك العادة الشائعة في رمضان، يقول: “هو موقف من المسلسلات بالطبع، أفكار المسلسلات نمطية جدا، والتمثيل والإخراج سيء، لذلك فالأفضل أن أنزل وأشوف الناس”. ومع ذلك فحتى البرامج الدينية التي يفضلها محمود لا يشاهدها على التلفزيون ولكنه يشاهدها في الوقت الذي يناسبه على اليوتيوب.
عرف رمضان في مصر بعادات متوازية تتنوع بين التعبد والاحتفال، الاحتفالات كانت تتطور وأصبح التلفزيون ركنا أساسيا فيها، فمشاهدة التلفزيون بتنوعه بعد الأفطار أصبح روتينا ثابتا، المقهى والأصدقاء حل مختلف، ويزاحم هذا وذاك مباريات الأولمبياد التي تجري هذا العام، وكان مشهدا غريبا في مصر أن يتابع المصريون بعد الإفطار مباراة نهائي مسابقة الفردي في رياضة مجهولة تماما بالنسبة لهم وهي رياضة الشيش لأن لاعب مصري ينافس على الذهبية إلى جانب متابعة مباريات الفريق المصري في مسابقة كرة القدم في الأوليمبياد. في حين يظل التعبد هو الخلفية الأساسية لشهر الصيام. ولكن الأمور قد تختلف طوال عامين، العام الماضي كان رمضان الأول بعد الثورة، وهذا العام هو أول رمضان تحت حكم أول رئيس مدني أو رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التلفزيون رغم وجوده المكثف ككل عام لم يعد بهذا الطغيان، أو على الأقل تولدت حوله عادات جديدة، كاعتبار الإعلانات مثلا أعمال فنية في ذاتها بغض النظر عن كونها فواصل للمسلسلات والبرامج، أو الهروب من مشاهدة المواد على التلفزيون ومشاهدتها على اليوتيوب على أجهزة الكمبيوتر في الأوقات الأنسب للمشاهد. يقول محمود عبد اللطيف: “من المفترض أن ما يميز رمضان هو كونه شعر العبادات، ولكن مجتمعنا ساقط دينيا، ولم تتغير مظاهر التدين في الفترة الأخيرة”
يشير محمود عبد اللطيف إلى كون رمضان هذا العام يتصف بأنه أول رمضان ومصر تحت حكم رئيس تابع للإخوان المسلمين مما كان يعطي انطباعا بأن مظاهر التدين ستزيد هذا الذي لم يحدث. إيلي نجار صديقهم القبطي يؤكد أيضا أن وجود رئيس إخواني في السلطة الآن لم يغير شيئا من عادات الناس في رمضان حتى الآن، وإن علقوا جميعا ساخرين على انقطاع الكهرباء الذي أصبح يوميا.
يشارك إبراهيم وصديقه فهد في تنظيم مهرجان مسرحي بمسرح البالون، ما أن أخبرتهم أنني سأحدثهم عن رمضان، حتى استعاد إبراهيم تراث إعلانات رمضان في التلفزيون المصري، يقول إبراهيم: “بعد الإفطار أخرج للعمل بالمسرح وبقية الوقت أقضيه في مشاهدة المسلسلات”. يتفق أصدقاؤه الثلاثة على التفرغ لمشاهدة المسلسلات بعد انتهاء العمل، ولكن إبراهيم يعلق أيضا أن من المختلف هذا العام أن رغم كثرة القنوات الدينية إلا أنه يفتقد الوجود اليومي للشيخ الشعراوي الذي كان يوحد الجميع على برنامج واحد.
فهد صالح مع ذلك يقول إن هذا العام رمضان يفتقد ألق العام الماضي: “كان أول رمضان بعد الثورة وكان الناس يحلمون بمصر أفضل ساعتها”. هذا الإحباط الذي يراه فهد هو الذي أرجع الناس لروتين رمضان هذا العام، يقول فهد: “الناس كانت مهتمة بشكل كبير بالبرامج السياسية، أنا مثلا كنت أقضي اليوم كله في مشاهدتها، ولكن بعد مرور هذه الفترة عادت الناس لمشاهدة المسلسلات”.
من الشائع في رمضان وخاصة قبل الإفطار هي عصبية الصائم مما يتسبب غالبا في مشاجرات تلوث صباحات الشهر، إلا أن محمد هشام يرى مع ذلك أن هذا الشهر يتميز بأن الناس أصبحت متقبلة نسبيا للجدال والنصيحة من أجل التغيير، من نفس المنطلق يقول إبراهيم: “الناس في هذا الوقت رغم كل شيء يعملون حساب رمضان، ولو ظللنا نتعامل بهذه الطريقة الدينية لربما صارت حياتنا أفضل”.
د. ثريا عبد الجواد أستاذ الاجتماع بجامعة المنوفية، ترى أن رمضان لا يختلف كثيرا عن كل عام وإن أصبحت هناك جرعة أكبر في المواد الدينية والمسلسلات من قبل الإعلام. وتضيف: “هناك اهتمام من بعض الناس بالأمور السياسية، ولكن بسبب رمضان تراجع نسبيا الاهتمام بقضايا الثورة”.
هذا يتضح حتى من المادة الإعلامية التي تقدمها القنوات التلفزيونية، ففي حين كانت البرامج السياسية المختلفة تتصدر المشهد العام الماضي، عادت المسلسلات لمكانتها المعتادة، وتتفق د. ثريا على أن رمضان الماضي كان أكثر إثارة من رمضان الحالي.
ولا تجد د. ثريا أيضا أن هناك اختلافا كبيار بسبب وجود خلفية دينية للرئيس الحالي على الأداء اليومي للمصريين في شهر الصيام: “هناك فئات كثيرة ترفض التغييرات الدينية الواسعة، وأيضا ترفض المواقف الدينية للرئيس”. ولكن رغم كلمات د. ثريا فهذا العام شهد فتوى من دار الإفتاء تدعو “أولي الأمر” لوضع ضوابط تمنع المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، هذا الذي يوحي بمستقبل أكثر صرامة على المستوى الديني.
نشر بجريدة الشروق 11/8/2012
العدد PDF
العدد PDF