أيقونات الثورة المتجددة
خالد سعيد ومينا دانيال وآخرون
كتب – أمير زكي
“هناك مجموعة من الشخصيات تحوَّلت لأيقونات ثورة 25 يناير، فهناك خالد سعيد وسالى زهران والشاب المجهول الذى وقف أمام المدرعة، والآن مينا دانيال يعد أحد المرشحين بقوة للتحول إلى أيقونة مشابهة”، هكذا علق الدكتور محمد شومان، عميد المعهد الدولى للإعلام بأكاديمية الشروق. لكن شومان يؤكد أن قوة تأثير كل من خالد وسالى ومينا ترجع لكونهم شهداء، مضيفا: “لموروث الشعبى المصرى يحوّل الشهداء إلى أيقونات وربما يعود هذا إلى عصر الشهداء القبطى”.
مينا دانيال أحد ضحايا اليوم الدموى فى التاسع من أكتوبر، تحول إلى أيقونة لتجديد دماء الثورة تماما كخالد سعيد ودوره فى تأجيج ثورة 25 يناير. ومثلما كانت المفارقة بين صورة خالد سعيد الشاب الوسيم وصورته كوجه مشوه بعد اعتداء شرطيين عليه محركا ومحفزا للمصريين، أصبح وجه مينا دانيال الضاحك والفارق بينه وبين منظر جثته فى مشرحة المستشفى القبطى مصدر غضب العديد من المصريين.
يرى د.شومان أن تحول شخصٍ ما لأيقونة يكون مزيجا بين النية المقصودة وبين التلقائية، فهناك العديد من الشخصيات التى يحاول البعض تحويلها لأيقونات ولا يكون هناك قبول شعبى لذلك، ولكنه يعوّل على صورة خالد سعيد ووجهه الملائكى وكذلك استشهاده هو ومينا فى التأثير على الرأى العام.
تحاول ماريان ناجى، الناشطة والمديرة التنفيذية لمركز الجسر للتنمية، وضع يدها على سبب بروز أيقونتى مينا دانيال وخالد سعيد، فهى ترى أيضا أن المواصفات الشكلية كان لها دور حاسم فى ذلك، وتقول: “مجتمعنا بشكل عام يحكم على الأمور بالمظهر، لو كان لمينا أو خالد ملامح حادة أو غليظة أو كان لديهما جسم قوى، كان الناس سيترجمون ذلك على أنهما بلطجية أو شباب (بتاع مشاكل)، ولكن شكليهما الأقرب إلى شكل شباب الطبقة المتوسطة وعمرهما الصغير يجعل الناس تنظر لهما على أنهما شابان مثلنا وشبهنا، وأن مستقبلهما ضاع نتيجة مقتلهما”.
ومع ذلك ترى ماريان ناجى أن كل تجربة من الاثنتين لو كانت قد حلت محل الأخرى لما حدث التأثير نفسه: “لو كان خالد سعيد ناشطا سياسيا قبل الثورة لما كان الاهتمام بمقتله بالقدر نفسه، باعتبار أن طبيعة الناشط أنه يتعرض للمشكلات، ولكن طبيعة خالد جعلت كل شخص يتصور أنه قد يتكرر الأمر نفسه معه. أما مينا فمقتله أثر لأن النشاط السياسى بعد الثورة أصبح أمرا اعتياديا، وأن من ينزل ليطالب بحقه سيتعرض للمصير ذاته”. تأثير المواصفات الشكلية لم يتم بشكل واع من قبل هؤلاء الذين يقودون حملات الاحتفاء بخالد سعيد ومينا دانيال، كما توضح الناشطة: “حتى من يصنع حملة من أجل ذكرى شهيد فهو يتأثر عاطفيا بمظهره وسنه، فحملتا خالد سعيد ومن بعده مينا دانيال كانتا حملتين انفعاليتين”.
إدارة الحملات
رغم كون الحملات التى صُنعت باسم خالد سعيد ومينا دانيال كانت حملات انفعالية فإن ماريان ناجى ترى أن تأثيرها قد يفوق الحملات المحترفة. تقول: “حملات غير المحترفة تكون أكثر نجاحا، لأن من يصمم الحملة يكون كلامه مباشرا وأكثر مصداقية، قد يكون الحديث عن فكرة (الكلام من القلب للقلب) كليشيهيا، ولكنه يُصدَّق فى مثل هذه الحملات”.
تجربة مينا دانيال كانت فريدة، فقد كان أقرب إلى الناشط السياسى اليسارى منه إلى الناشط القبطى، إذ كان عضوا بحركة “شباب من أجل الحرية والعدالة”، وعضوا “بحزب التحالف الشعبى”… مقتله جعله، وهو الذى صلى بأحد المساجد يوم 28 يناير ليخرج مع المظاهرة المنطلقة منه، أحد شهداء المسيحية لدرجة تكريمه بدفنه مع غيره من شهداء 9 أكتوبر تحت أحد مذابح كنيسة الملاك بالسادس من أكتوبر. هنا تتضاعف دلالة مقتل مينا دانيال، فهو بالإضافة لكونه شهيدا سياسيا قد تحول إلى شهيد دينى أيضا.
مينا ــ الناشط السياسى ــ كان يتعامل مع العديد من الحركات السياسية المصرية مما جعل وجهه مألوفا لدى معظم المهتمين بالشأن العام، ومعظم من قضوا الوقت فى اعتصامات ميدان التحرير أو اعتصامات ماسبيرو. يؤكد زملاؤه أن استشهاده سيكون نقطة تحول فى حركة الثورة مثل استشهاد خالد سعيد، يتفق كريم طه وميلاد سليمان صديقاه على ذلك، ويقول كريم: “الاحتفاء بمينا هو استكمال لمشوار الثورة بسبب تعدد القضايا السياسية والاقتصادية التى كان مهتما بها”. ومن جهة أخرى يقول ميلاد سليمان: “مينا دانيال كرمز يشبه خالد سعيد وأعتقد أن سيصعد القضية أكثر من خالد سعيد، لأنه أثبت أن الوضع أحيانا أسوأ من عهد مبارك”. واستشهاد مينا دانيال أيضا يختلف لأنه جاء بعد الثورة، كما يوضح د. محمد شومان: “هذا يعطى انطباعا بأن الثورة تأكل أبناءها أو أن هناك من سرق الثورة”.
على طريقة صفحة “كلنا خالد سعيد” التى حددت موعد “إيفنت” التظاهر فى 25 يناير، أنشئت صفحة “كلنا مينا دانيال”، بالإضافة إلى ذلك يحاول أصدقاء مينا وزملاؤه من النشطاء إبقاء وجهه “مؤطرا” سواء من خلال رسوم الجرافيتى أو على تى شيرتات يرتدونها، وهم صنعوا أيضا مدونة تضم وتوثق كل ما يخص مينا من مقالات أو أشعار أو فيديوهات. الاحتفاء بذكرى مينا والحملات التى تحمل اسمه جاءت معظمها بمبادرات من أصدقائه الذين انفعلوا بالطبع برؤية صديقهم يموت، ولكن ما إمكانية الاستمرار فى تلك الحملات مع اعتبار أن معظمها غير محترفة؟
لا ترى ماريان ناجى أن استمرارية الحملة وتأثيرها يتطلب الاحتراف، ولكنها أيضا تضيف أهمية التدرج خاصة بالنسبة للحملة الموجهة بهدف التأثيرعلى الطبقة الوسطى، وتقول: “حملة كلنا خالد سعيد يمكنها أن تدرس الآن، فهم تدرجوا مع الناس وبدءوا بمطالبتهم بتفاصيل سهلة كتغيير الصور الشخصية على الفيس بوك، ثم النزول بملابس سوداء فى مظاهرات صامتة، قبل أن يطالبوهم بالتظاهر فى الشارع بشكل كامل، هم بدءوا الحملة كرد فعل انفعالى ولكن الحملة استمرت بشكل محترف”.
على الرغم من كل الأشكال التى يستخدمها أصدقاء مينا للاحتفاء به، ربما يبقى الغناء هو الأبرز فى الذاكرة الشعبية، بحسب ماريان التى تشير إلى تجربة حفل تأبينه حيث غنى فريق إسكندريلا: “لو كان أحدهم قد طلب بعدها أن يخرج الحاضرون فى مظاهرة لكان الناس قد استجابوا”.
فى حين يؤكد د.محمد شومان أن الصورة هى التى تحفظ ذكرى الشخصية، وإن كان غير واثق من مدى استمرارية بروز أيقونتى خالد سعيد ومينا دانيال فى الذهن الشعبى.
مينا دانيال شاب مصرى كان يعبر عن انفعالاته بشكل تلقائى، فقد يظهر له فيديو يتمايل فيه على موسيقى “الميتال”، أصحاب المدونة المخصصة له يحاولون تقديم كل شىء عنه، كما يقول صديقه ميلاد سليمان: “نحن نجمع كل شىء عن مينا ولا نراجع شيئا، حتى المراجعة الإملائية لا نقوم بها، نحن نريد أن نقدم مينا دانيال الإنسان وليس الشاب الثورى فقط”. ولكن هل هذا مفيد للحملة التى تحاول إبراز الأيقونة؟، تحاول ماريان الإجابة قائلة: “من الضرورى أن يظهر مينا دانيال وخالد سعيد بنفس مظهر الشباب، بسلبياته وإيجابياته، ولكن أحيانا الحملات تتبنى عملية تنزيه الضحية وإظهار الشاب بمظهر شديد الاستقامة لإثارة أكبر قدر من التعاطف”.