بندقية سهلة التوجيه.. فى يد الجندي أو اللص
كتب – أمير زكي
عندما أراد كريم – طفل الشارع – وأحد أبطال رواية “تغريدة البجعة” لمكاوي سعيد أن ينتقم من صاحب معرض سيارات اعتدى عليه بالضرب لم يختر فعلا عنيفا كما يمكننا أن نتوقع، بل كل ما فعله هو أن جمع رفاقه وتغوط أمام المعرض لليلتين متتاليتين، هذا الفعل الذى أرعب صاحب المعرض ليحاول بعد ذلك استرضاء كريم بشتى الطرق. مكاوي سعيد أظهر فى روايته الوجه الإنساني لطفل الشارع إلى جانب وجوهه الأخرى تلك التي نعرفها أو لا نعرفها، لذلك طرحنا عليه أسئلتنا التالية:
* في سياق أحداث مجلس الوزراء البعض كان يعتبر أطفال الشوارع ضحايا والبعض اعتبرهم متهمين وقيل إنهم تعرضوا للاستغلال، أين تضعهم وسط كل هذه المزاعم؟
– أطفال الشوارع يتحركون حسب توجيههم، أثناء الثورة كنت تجد أطفال الشوارع الذين يقضون الوقت في الميدان، هؤلاء وجدوا من يعاملونهم بشكل طيب لأول مرة، لدرجة أن كانت هناك خيمة مخصصة للاهتمام بهم وتعليمهم، هؤلاء تفاعلوا مع الثورة والثوار، لأنهم شعروا بالمساواة بينهم، في المقابل ستجد أن هناك من أطفال الشوارع من يتم استغلاله من قبل البلطجية، في النهاية فطفل الشارع هو حدث تم إهماله من قبل المجتمع وبالتالي فمن الممكن توجيهه بسهولة. ولكني لا أعتقد أنه يمكن اتهامهم بحرق المجمع العلمي، فلن يفعلوا ذلك من نفسهم، لا بد أن يكون هناك بلطجية قادوهم لذلك. أطفال الشوارع مثلهم مثل البندقية التي من الممكن أن تكون في يد الجندي أو اللص.
* في الرواية كان أطفال الشوارع يتحركون كعصابات، كمثل عصابة كريم، هل من الممكن أن يتم استخدامهم من قبل أي جهة من أجل عمل تخريبي مثلا؟
– من السهل أن يستغلهم مرشد لصالح الأمن مثلا، أو يستغلهم رجل أعمال مناويء للثورة، طفل الشارع يختلف عن البلطجي، البلطجي يتكسب من جراء بلطجته، وهو يسعى للحفاظ على نفسه، أما طفل الشارع فلديه من البداية يقين بالموت، هو لا يعنيه الرصاص أو النار أو القوة الغاشمة، بل سيرد على القوة بمثلها، هو يشعر بأن المجتمع أهمله، وحتى منظمات المجتمع المدني، هو يشعر أنها تستفيد منه ولا تفيده. لكن علينا أن نلاحظ شيئا، وهو أن بعض أطفال الشوارع كانوا يعتبرون أن هذه الأرض ملكهم، وهذه الأرض يتم سحبها منهم حاليا من قبل الثوار، فهم يأخذون موقف المدافع عن نفسه.
* وفقا للرواية أيضا فأطفال الشوارع متحررون من كل السلطات السياسية والاجتماعية والأخلاقية، ما التجليات السلبية والإيجابية إن وجدت لهذا التحرر؟
طفل الشارع قابل للتحرك العنيف في أي لحظة، وهو لا تهمه المؤسسات أو التراث الإنساني، فكل هذه الأشياء من وجهة نظره هي رموز القهر، وهو يعتبرها السبب في وضعه الحالي، ولكن هناك تجليات إيجابية لتحرره وهو إمكانية كونه قد يتفاعل معك في الثورة لأنه متمرد بطبعه. أطفال الشوارع خاضعون للاستقطاب اللحظي، وهم إما معك أو ضدك، وهم موجودون في كل الاضطرابات التي تحدث.
***
مسئوليتنا جميعا
كتب – أمير زكي
“التحقيقات أثبتت تبرئة الأطفال من التهم الموجهة إليهم، وحتى لو تورط بعضهم في أعمال عنف فليس من المفترض معاملتهم كمأجورين أو مرتزقة”. هكذا علق هاني هلال – مدير مركز حقوق الطفل المصري – على أحداث مجلس الوزراء وقصر العيني التي شهدت العديد من الانتهاكات ضد أطياف مختلفة من المجتمع، وإن تركزت الأنظار بشكل أكبر على المرأة وهؤلاء الأطفال.
ووفقا لمنظمة اليوينيسيف فأحداث مجلس الوزراء شهدت مقتل طفلين، وإصابة العشرات، واعتقال أكثر من70 طفلا. والانتهاكات تمتد لتأخذ صورا أخرى، كما يشرح هاني هلال: “تم القبض على الأطفال بعنف شديد، مما أدى لإصابتهم بكدمات وكسور، كان يتم القبض عليهم من قبل أناس بزي مدنى عرفنا فيما بعد أنهم من الشرطة العسكرية، بالإضافة إلى أنه كان يتم احتجازهم مع بالغين وهذا مخالف للقانون”.
في المؤتمر الصحفي الذي أقامه المجلس العسكري لشرح أحداث مجلس الوزراء وقصر العيني من وجهة نظره، أظهر اللواء عادل عمارة فيديو لأطفال يتحدثون عن أن البعض قام بتمويلهم وتحريضهم للقيام بأعمال تخريبية، هاني هلال يقول إن عرض شهادات لأطفال من قبل التحقيقات هو انتهاك صريح لقانون الطفل. ولكن بدون الحديث حتى عن مدى قانونية ذلك، كان التهافت واضحا في الفارق بين ما قاله أحد الأطفال في الفيديو، وبين ما قاله بعد الإفراج عنه. ويرى هاني هلال أن اخطر نتيجة لاتهام أطفال الشوارع هو فقدان ثقة هؤلاء الأطفال بعد سنوات حاول فيها المجتمع المدني كسب ثقتهم. وإن كان يرى أن بادرة الأمل في الموقف هو رفض المجلس القومي للأمومة والطفولة لاتهام الأطفال. الاتهامات الرسمية الموجهة للأطفال كانت جاهزة مسبقا كما يذكر هاني هلال، وهي اتهامات مثل إتلاف المال العام والتعدي على موظف أثناء تأدية عمله وحرق المجمع العلمي، وهي التهم الموجهة للبالغين.
أطفال الشوارع في النهاية هم مشاركون في الأحداث، بحكم ارتباط الكثير منهم بوسط البلد ومشاهدتهم لأحداث الثورة ومشاركة بعضهم فيها، ودخولهم خطوط المعارك في أحداث مجلس الوزراء ومن قبلها أحداث شارع محمد محمود كان مشهودا من قبل الكثيرين، يقول هاني هلال: “هم سيظلون مصدر خطورة طالما مارسنا ضدهم عنف أو تجاهلناهم، علينا أن نعيد صياغة اهتمامنا بهؤلاء الأطفال وأن نجذبهم لعالمنا”. مشيرا إلى أن الدولة من بعد الثورة لم تكن تطرح قضايا الطفل ضمن اجتماعاتها.